فصل: الفصل الأول: في الموجب والقدر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الركن الثالث: اللفظ:

والنظر في أصله ثم في تغليظاته، وسنته.
أما اللفظ، فأن يقول أربع مرات في الرؤية: أشهد بالله، قال محمد: يزيد: الذي لا إله إلا هو، لرأيتها تزني. ويصف الزنى كما تصفه شهوده. وروي: ليس عليه ذلك.
وفي نفي الجمل: أشده بالله لزنت. فقط ولفظ ابن القاسم عند ابن المواز: ما هذا الحمل مني. ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
والمرأة تشهد أربع مرات تقول في الرؤية: أشهد بالله ما رآني أزني. وتقول في الحمل: ما زنيت، وأنه منه.
وتقول المغتصبة إذا التعنت في نفي الولد: أشهد بالله ما زنيت، ولا أطعت.
وتقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ويتعين لفظ الشهادة، فلا تبدل بالحلف، ولا لفظ الغصب باللعان. ويجب الترتيب في تأخير اللعان.
ويصح لعان الأخرس وقذفه إذا كان يعقل الإشارة، أو يفهم الكتابة.
ولو قال بعد انطلاق اللسان: لم أرد ذلك، لم يقبل منه.
فلو اعتقل لسان الناطق قبل اللعان، وكان ينتظر زواله على قرب أمهل.
فرع:
إذا بدأت المرأة باللعان، فقال ابن القاسم: لا يعاد عليها بعد لعان الزوج.
وقال أشهب: يعاد. قال أبو القاسم ابن الكاتب: وهو أحسن.
أما التغليظ، فهو بالزمان والمكان والجمع.
أما الزمان فيلتعنان في دبر الصلوات.
وقال في كتاب محمد: وأي ساعة شاء الإمام، وعلى إثر المكتوبة أحب إلي.
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: كان عندنا بعد العصر، ولم يكن سنة، وأي ساعة شاء الإمام لاعن، وبعد العصر أحب إلي قال عبد الملك: لا يكون إلا في مقطع الحق بإثر الصلاة. قال القاضي أبو الوليد: فكأنه جعل ذلك شرطاً كالمكان.
فأما المكان، فأشرف مواضع البلد، وذلك مقطع الحق، وفي حق الذمية الكنيسة والبيعة. والحائض تؤخر بعد لعان الزوج حتى تطهر كالطلاق. والمريض منهما يبعث الإمام إليه عدولاً.
وأما الجمع فهو أن تحضر جماعة لا تنقص عن أربعة. ولا يصح اللعان إلا في مجلس الحاكم. ثم التغليظ بالمكان واجب.
وأما كونه بعد صلاة العصر فغير واجب. وظاهر قول عبد الملك بن الماجشون: الوجوب.
وأما سنته، فإن يخوفا، فيقال للزوج: تب إلى الله عز وجل، تجلد ويسقط عنك المأثم.
ويقال للمرأة أيضاً نحو ذلك. ويقال لكل واحد منهما قبل اللعان بالغضب: اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب.

.الركن الرابع: الثمرة:

وهي نفي النسب، وقطع النكاح، ورفع العقوبة، ودفع عار الكذب.
ويجوز للزوج اللعان بمجرد نفي النسب، ويجوز لمجرد إسقاط العقوبة وإن لم يكن له ولد، سواء كان حداً أو تعزيراً.

.الباب الثاني: في فروع متفرقة:

وهي أربعة:
الأول: إذا قذفها بأجنبي، وذكره في اللعان، فليس على الإمام أن يعلمه. وروي أن ذلك عليه.
فإن علم المقذوف، وقام بالحد، فإنه يحد له. قال سحنون: ويسقط عنه اللعان، لتداخل حدود القذف. وإن لم يذكر معيناً لم يحد.
الثاني: إذا قذف امرأتين بكلمة واحدة، فقامت عليه إحداهما، فقال: كذبت عليك، فجلد، ثم قامت الأخرى، فلا حد عليه للتداخل. فلو قال بعد الحد: صدقت عليكما، حد.
وكذلك لو قال للتي قامت أخيراً: صدقت عليك.
ولو قال للتي حد لها: صدقت عليك، حد لها ثانياً عند ابن القاسم.
وقال محمد بن المواز وغيره: لا يحد لها ثانياً.
الثالث: إذا ادعت القذف فأنكر، فقامت الحجة على القذف، حد، إلا أن يدعي رؤية، فيلتعن، ويقبل منه بعد جحوده، بخلاف الأجنبي، لأنه يقول: أردت ستراً، وأنا الآن ألتعن.
وغير ابن القاسم لا يقبل ذلك منه.
ولو أنشأ قذفاً آخر فله اللعان. ولو قامت بينة أنه أقر بولد لاعن منه، وهو منكر، لحق به، وحد.
قال محمد: إلا أن يكون اللعان على الرؤية مع نفي الحمل، فلا حد عليه لأنه قد بقي لعان الرؤية.
قال أبو القاسم بن محرز: ولو كانت الزوجة الملاعنة في نفي الجمل كتابية، ثم أكذب الملاعن نفسه، واستلحق الولد، ثم قام الولد يطلب الحد لقطع نسبه، لم يحد الأب بذلك إذ لم يقصد قصده، فيكون كمن صرح بقذفه أو قطع نسبه، وإنما رمى أمه، فكان في ذلك بمثابة من عرض لولده بالقذف فإنه لا يحد له لبعده من التهمة في ولده، فلا يقبل في حقه منه، إلا ما كان غير محتمل، كما في قتله. ولو امتنع الزوج عن اللعان، فلما عرض للحد التعن، فله ذلك.
واختلف في المرأة هل لها أن تلتعن بعد نكولها، أم ليس لها ذلك، ويتعين الحد عليها؟، على قولين للمتأخرين:
فالأول لأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي علي بن خلدون، وأبي محمد اللوبي، قالوا: ولا يكون نكولها عن اللعان أشد من إقرارها بالزنى، ثم ترجع عنه، فإن ذلك مقبول منها.
والثاني: رأي أبي القاسم بن الكاتب، وأبي عمران الفاسي، ورأي هؤلاء أن النكول بخلاف الإقرار بالزنى، لما تعلق بالنكول من حق الآدمي، أعني الزوج.
الرابع: إذا قال: زنيت وأنت صغيرة، أو أمة، أو نصرانية. فقال ابن القاسم: يحد، ورآه تعريضاً، وإن أقام بينة بما تقدم من ذلك.
وقال أشهب: إن سمى، فقال: في رقك، أو نصرانيتك، أو صغرك، فإن كان في غير مشاتمة، فلا حد عليه، وإن كان ذلك في مشاتمة حد، إلا أن يقيم البينة.

.الباب الثالث: في جوامع أحكام اللعان، ونفي الولد:

ويتعلق بلعانه ثلاثة أحكام: سقوط الحد عنه. وانتفاء النسب. ووجوب حد الزنى عليها.
ويتعلق بلعانها هي أيضاً ثلاثة أحكام: سقوط الحد عنها. والفراق. وتأبيد الحرمة. وقيل في هذين: إنهما يتعلقان بلعانه.
وفي حكم نفي الولد مسائل:
إحداها: أن اللعان يحتاج إليه إذا أمكن أن يكون الولد من الزوج، فإن لم يمكن، فلا لعان. وذلك إما لقصر المدة عن ستة أشهر، أو لطول المسافة بين الزوجين، أو لكون الزوج صبياً لا يولد لمثله، أو لكونه ممسوحاً مجبوب الذكر والأنثيين، فلا يلحقه. فأما الباقي الأنثيين، فيلحقه الولد إن كان بولد لمثله في العادة.
وأما الخصي الباقي الذكر، فلا يلحق به الولد، إلا أن يكون ممن يولد له في العادة، ولو أقر الزوج بالوطء بين الفخذين مع الإنزال لحقه الولد، ولا لعان له.
وكذلك لو وطئ أمته، ثم وطئ امرأته قبل أن يبول وأكسل عنها، لزمه الولد، ولا لعان له، إذ قد يكون في إحليله فضل ماء من الأول.
الثانية: اللعان عن الحمل جائز في صلب النكاح.
وقال عبد الملك: إذا لاعن لنفي النسب لأجل استبرائه ولم يشاهد، فإنه لا يجب أن يلاعن وهي حامل، لجواز أن يكون ريح ينفش. وانفصل عن هذا في المشهور بأن الحمل قد يظهر ظهوراً يكون الغلط فيه نادراً، وقد علق الشرع عليه أحكاماً، كإيجاب النفقة، والرد بالعيب، واستدله بأن العجلاني لاعن عن الحمل وبعد البينونة له أن يلاعن إذا ادعى رؤية الزنى في العدة، أو نفي حملاً يلحق به إن لم ينفه.
الثالثة: إذا أتت بتوأمين، فنفى أحدهما، لم ينتف، فإن نفاهما، ثم استلحق أحدهما لحقه الثاني، لأنه لا يتبعض، ويغلب جانب الاثنين. ولو نفى الحمل، فأتت بتوأمين انتفيا.
وله أن ينفي أولاداً عدة بلعان واحد. وتثبت بين التوأمين المنفيين أخوة الأب مع أخوة الأم.
الرابعة: إذا مات الولد، فله اللعان، وإن لم يكن للولد ولد حي ولو نفاه، فلما مات استلحقه، قبل إن كان للميت ولد، فإن لم يكن له ولد، لم يقبل، ولم يرث، لأنه يتهم لأجل الميراث.
الخامسة: حق نفي الولد على الفور، ويسقط بالوطء بعد العلم به. ولو لم يعلم به إلا عند الوضع فنفاه، جاز. ولو ترك النفي بعد العلم بالوضع سقط حقه، ولم ينتف عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب العدة:

.والنظر في عدة الطلاق، وعدة الوفاة، والاستبراء:

أما:

.عدة الطلاق:

ففيها بابان:

.(الباب) الأول: في عدة الحرائر والإماء، وأصناف المعتدات، وأنواع عددهن:

وهن ثلاثة أنواع: القروء، والأشهر، والحمل.
فالحرة تعتد بثلاثة قروء إذا طلقت بعد المسيس. وهذه العلة وإن كان المقصود الأعظم منها براءة الرحم، فإنه يكتفي فيها بسبب الشغل مع إمكانه عادة، ولا يشترط عينه، فلذلك تجب العدة بوطء الخصي القائم الذكر. قال أشهب: لأنه يطأ بما بقي من ذكره، وبمجرد تغييب الحشفة.
وربط الأحكام بالأسباب الظاهرة في مظان التباس المعاني المقصودة هو دأب الشرع.
كما علق البلوغ بالاحتلام، والإسلام بكلمتي الشهادة.
أما حيث ينتفي الإمكان العادي، فلا تجب العدة، وذلك كالصغير الذي لا يولد لمثله، وإن كان يقوى على الجماع إذا دخل بامرأته، ثم صالح عنه أبوه أو وصيه وكالمجبوب الممسوح ذكره وأنثياه. وكذلك إذا كانت المرأة لم تبلغ أن يطبق الرجل، فلا يكون وطؤها موجباً للعدة. قال القاضي أبو محمد: لأنه إنما هو جرح وإفساد. وقد قدمنا أن الحرة تعتد بثلاثة قروء.
فأما الأمة، فإنها تعتد بقرءين: إذ لا يتنصف القرء الواحد فيكمل. فإن عتقت قبل الطلاق فهي كالحرة الأصلية. وإن عتقت في أثناء العدة فهي على حكم الأمة.
واعلم أن النسوة أصناف: المعتادة. والمرتابة بتأخير الحيض. والصغيرة. والآيسة.
الأول: المعتادة، وعدتها بالقروء على العادة، والقروء هي الإطهار. وإذا وقع الطلاق في طهر كان في بقية الطهر قرء كامل، ولو كانت لحظة.
وتحل المطلقة الحرة المستقيمة الحال بالدخول في الدم من الحيضة الثالثة. والأمة بالدخول في دم الحيضة الثانية إذا طلقتا في طهر.
فلو طلقتا في حيض لم تحل الحرة حتى تدخل في دم الحيضة الرابعة من الحيضة التي طلقت فيها إن استمرت على العدة، ولم ترتجع، ولا الأمة حتى تدخل في دم الحيضة الثالثة من الحيضة التي طلقت فيها.
فرع:
لو كانت عادتها أن تحيض من سنة إلى مثلها، أو إلى أكثر، أو من ستة أشهر إلى مثلها، لكانت عدتها الإقراء.
قال محمد: فإن انقضت السنة ولم يأت وقت حيضتها انتظرت وقت حيضتها بعد تمام السنة، فإن لم تحض عند مجيئه حلت وإن حاضت من الغد.
الصنف الثاني: المرتابة بتأخير الحيض وهي من أهله، ولها حالتان:
الأولى: أن يرتفع لغير عارض معلوم ولا سبب معتاد تأثيره في رفع الحيض، وهذه تتربص تسعة أشهر غالب مدة الحمل استبراء. فإن حاضت في خلالها حسبت ما مضى قرءاً، ثم تنتظر القرء الثاني إلى تسعة أشهر أيضاً، فإن حاضت احتسبت به قرءاً آخر، وكذلك في الثالث، فإن مضت لها تسعة أشهر ولم تحض، استأنفت الاعتداد بثلاثة أشهر، وصارت حينئذ من أهل الاعتداد بالشهور، يكون الكل سنة. فإن حاضت قبل تمام السنة ولو بساعة استقبلت الحيض وحسبت جميع ما مضى لها من وقت الطلاق إلى وقت حيضتها قرءاً، ثم استأنفت تربص تسعة أشهر، ثم ثلاثة بعدها. وأي وقت مضى لها سنة لا حيض في خلالها فقد انقضت عدتها وحلت. ولا يراعى إذا حاضت بعد السنة بقليل أو كثير.
الحالة الثانية: أن يرتفع الحيض المعتاد لعارض معلوم وسبب معتاد تأثيره في رفع الحيض. والأسباب المؤثرة في ذلك ثلاثة:
الأول: الرضاع، فمن تأخر حيضها بسبب الرضاع، فعليها أن تنتظر الحيض، ولا يجزيها الاعتداد بالأشهر.
قال محمد: ولم يختلف قول مالك وأصحابه في عدة المرضع أنها ليست ممن لها السنة، وعليها أن تنتظر الحيض أبداً ما أقامت ترضع، حتى ينقطع عنها الرضاع، فتستقبل ثلاث حيض، فإن لم تحض حتى تأتي عليها سنة من يوم قطعت الرضاع حلت.
قال: لأنا قد عرفنا أن الرضاع هو الذي رفع حيضتها، فعدتها الأقراء كما قال الله تعالى. وإذا لم يدر بن رفعت حيضتها حكمنا فيها بما قضى به عمر، تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، وتكون بعد التسعة من اللائي يئس من المحيض.
فرع:
قال محمد: فإن طلب الزوج انتزاع ولده وهو صغير يرضع فراراً من أن ترثه، حكم له بذلك في كل طلاق يملك فيه الرجعة.
قال: وكذلك لو أراد استعجال حيضتها ليتزوج أختها، أو مثل أن يكون له أربع نسوة إذا علم صدق ما قال: ولم يطلب ضرر الولد، ولم يكن علق أمه.
السبب الثاني: المرض. وإذا تأخرت حيضتها لمرض، فروى ابن القاسم وغيره: تعتد بثلاثة أشهر بعد الاستبراء بتسعة. وبه يأخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ وغيرهم.
وقال أشهب: عدتها الإقراء، وهي كالمرضع، وليس الرضاع بأمنع للحيض من المرض.
واختاره محمد.
السبب الثالث: الاستحاضة: والمستحاضة قسمان: غير مميزة، ومميزة. فأما غير المميزة، فتقيم سنة، تسعة أشهر استبراء، وثلاثة أشهر عدة كالمرتابة، لأن الاستحاضة ريبة. وأما المميزة ففيه روايتان:
إحداهما: أنها كغير المميزة.
والأخرى: أنها إذا ميزت بين الدمين، وكان له قرء معلوم اعتدت به.
الصنف الثالث: الصغيرة واليائسة، وعدتهما بالأشهر، وتتمادى الصغيرة وأن تحيض، ولا مبالاة برؤيتها الدم في سن من لا تحيض، كبنت خمس وست سنين، فإن ذلك ليس بحيض.
ولو طلقت فرأت الدم بعد مضي ثلاثة أشهر فليس عليها الاستئناف. وإن كان قبل تمام الأشهر استأنفت العدة بالإقراء واحتسبت بما مضى قرءاً. وإن لم يعاودها الدم صارت في معنى المرتابة، تعتد بالسنة من يوم ذهبت الحيضة.
وأما الآيسة، فإذا حاضت سئل النساء عن ذلك، فإن قلن: إن مثلها تحيض، انتظرت بعدها قرءين، فإن انقطع كانت مرتابة. وإن قلن: إن مثلها لا تحيض، لم تعتد به، ومضت إلى تمام الثلاثة الأشهر.
ثم حيث كانت العدة بالأشهر، اعتبرت بالأهلة، فإن انكسر الشهر الأول، تمم ثلاثين من الشهر الأخير، واعتبر في الشهرين الأوسطين بالأهلة. وإن انكسر اليوم الأول، فقال مالك: تلغيه. بعد أن كان قال: تحتسب إلى مثل تلك الساعة.
ويستوي في العدة بالأشهر الإماء والحرائر، والمسلمات والكوافر، إذ لا يبرأ رحم بأقل من ذلك. وقيل: يكتفي في الأمة بشهر ونصف.
النوع الثاني: العدة بالأشهر، وذلك في الصغيرة واليائسة، وقد ذكرناه.
النوع الثالث: الاعتداد بوضع الحمل، ولانقضاء العدة به شرطان:
أحدهما: أن يكون الحمل ممن تكون منه العدة، أو يحتمل أن تكون منه كالمنفي باللعان.
أما المنفي قطعاً كولد الزنى، أو ما تضعه المعتدة من وفاة الصبي الذي لا يولد له، أو الممسوح ذكره وأنثياه، فلا تنقضي به العدة.
ولو أتت زوجة البالغ بولد لأقل من ستة أشهر، فلا يلحق به، ولا تنقضي به العدة.
الشرط الثاني: وضع الحمل التام، فلا تنقضي العدة بوضع أحد التوأمين، ولا تنقضي بانفصال بعض الولد، بل بكل الجنين. ولا يعتبر كمال الخلق، ولا التخطيط، بل تنقضي العدة بإسقاط العلقة والمضغة، وكل ما يقول النساء: إنه ولد، كما في الاستيلاد، وفي الغرة.
ثم يستوي في الاعتداد بوضع الحمل جميع المعتدات من الحرائر والإماء، والمسلمات والكتابيات، وفي الأسباب الموجبة له من الطلاق والفسخ، والشبهة والموت.
فروع: الأول: المرتابة بالحمل بعد الإقراء، لثقل بطنها أو لتحريك، لا تنكح حتى تنقضي أقصى مدة الحمل، وهي خمسة أعوام في الرواية المشهورة، وأربعة في أخرى، وروي في ثالثة سبعة أعوام، وهي شاذة. قال أشهب: لا تحل أبداً حتى تيأس.
الفرع الثاني:
إذا أتت بعد العدة بولد لدون أقصى مدة الحمل، لحق الزوج إن لم تنكح زوجاً آخر، إلا أن ينفيه الحي بلعان، ويدعي أنه استبرأ قبل طلاقه.
الفرع الثالث:
إذا نكحت قبل الخمس بأربعة أشهر، فأنت بولد لخمسة أشهر من يوم نكحت، لم يلحق بأحد من الزوجين وحدت، وفسخ نكاح الثاني لأنه نكح حاملاً.
الفرع الرابع:
إذا نكحت ثم أتت بولد لزمان يحتمل كونه من الزوجين ألحق بالثاني، وإن كانت وضعته بعد حيضة من العدة، إلا أن ينفيه باللعان، فيلحق بالزوج الأول، ولا يلزمها لعان، لأنه نفاه إلى فراش، فإن نفاه الأول ولاعن أيضاً، لاعنت وانتفى منهما جميعاً. ثم من استلحقه منهما لحق به، ويحد الملاعن آخراً إن استلحقه.
وإن كانت وضعته قبل حيضة، فهو للأول إلا أن ينفيه باللعان، فيلحق بالثاني، ولا تلاعن هي، فإن نفاه الثاني أيضاً ولاعن لاعنت، وانتفى منهما جميعاً. ثم من استلحقه منهما بعد ذلك لحق به ويحد إن كان الملاعن آخراً.
قال أبو إسحاق التونسي: وقيل من استلحقه منهما حد. ثم استحسنه وعلله بأن لعانها لهما جميعاً.

.الباب الثاني: في تداخل العدتين:

والعدتان المتفقتان بالقروء، أو بالأشهر تتداخلان إما من شخص واحد وذلك بأن يطأها الزوج في العدة، فيكفيها ثلاثة قروء من وقت الوطء. وكذلك في الأشهر. وإما من شخصين وذلك بأن يتزوج المرأة في عدتها، فيفرق بينهما فإن ثلاث حيض تجزيها من الزوجين جميعاً من يوم فارقها الأخير. وعند الشيخ أبي القاسم تتم عدتها من الأول، ثم تستأنف العدة من الآخر.
وتتداخل العدتان أيضاً وإن اختلفتا، إذا كانت إحداهما بالحمل، فتندرج فيها الأخرى، وتنقضي العدتان بالوضع، وتمتد الرجعة إليه إن كان من الأول. وروي اندراجها تحتها والكفارة من الثاني، وضعفها محمد.
وإذا فرعنا على عدم الاندراج، فإنها تتم ثلاث حيض للأول. ونقل الشيخ أبو محمد في نوادره: إنها تأتنف ثلاث حيض.
قال عبد الحق: ولا تصح هذه العبارة، قال: ولفظها في الأمهات لم يكن بد من بقية الثلاث حيض.
فروع: الأول: فيمن قدم من سفر، فزعم أنه كان طلق زوجته من سنة، فإن لم يكن إلا قوله، لم يقبل واستأنفت العدة من يوم أقر، وإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها، وإن حاضت ثلاث حيض من اليوم الذي قال: إنه طلقها فيه، فلا رجعة له. وإن أقر بالبتة لم يصدق في العدة، وإن مات لم يتوارثا. وإن شهد شاهدان أنه كان طلقها كانت العدة من يوم طلق، ليس من يوم بلغها.
الفرع الثاني:
قال في كتاب محمد، فيمن خالع زوجته، ثم نكحها في العدة، ثم طلقها قبل أن يمس: إنها تبني على عدتها الأولى.
وأما إن طلقها طلاقاً رجعياً، ثم ارتجعها في العدة، ثم طلقها قبل أن يمس، فإنها تأتنف العدة، لأن الرجعة هدمت العدة.
قال القاضي أبو الحسن: إلا أن يريد برجعته التطويل عليها، فإنها تبني على عدتها الأولى.
الفرع الثالث:
من أعتق أمته، أو أم ولده في عدة وفاة أو طلاق، حلت بتمامها، ولو لم يبق منها إلا يوم واحد.
ولو أعتقهما بعد خروجهما من العدة، فأم الولد تأتنف حيضة، والأمة تحل مكانها، وحدوث العتق في العدة لا ينقلها إلى عدة الحرة، وحدوث الموت في طلاق الرجعة خاصة يوجب الانتقال إلى عدة الوفاة، ويهدم العدة من الطلاق كما تهدمها الرجعة.
القسم الثاني من الكتاب:

.في عدة الوفاة، وحكم السكنى:

وفيه بابان:

.الباب الأول: في موجب العدة، وقدرها، وكيفيتها:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في الموجب والقدر:

فنقول: المتوفى عنها زوجها عليها عدة الوفاة، مدخولاً بها كانت أو غير مدخول بها، صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة، مؤمنة أو كافرة.
فإن كانت حاملاً فمهما وضعت حلت، ولو في ساعة، ويحل لها غسل الزوج بعد العدة، وبعد نكاح زوج آخر.
وإن كانت حاملاً، فتعتد الحرة بأربعة أشهر وعشرة أيام. وروي في الحرة الذمية أنها تستبرئ بثلاث حيض فحسب.
ويشترط على هذه الرواية كونها مدخولاً بها، وإلا فلا عدة عليها. وأما الأمة فعدتها شهران وخمس ليال.
ولا خفاء بأن المعتدة تحل بمضي الشهور إذا حاضت في أثنائها، واختلف إذا لم تحض.
فأما الحرة فقال ابن الماجشون: تحل.
وروى أشهب أنها لابد لها من حيضة، كانت أيام طهرها أقل من مثل العدة أو أكثر.
وروى مطرف: أنها إن كانت أيام طهرها دون أيام العدة فهي مسترابة، ولا تتزوج حتى تتم تسعة أشهر، إلا أن تحيض قبل ذلك. وإن كانت فوق أيام العدة فلا شيء عليها، لأنها لم تسترب بانقطاع دم.
وقاله أيضاً أشهب.
وأما الأمة فقال ابن القاسم في العتبية تحل وإن كانت شابة يخشى منها الحمل.
وفي إحدى الروايتين عن مالك أنها تكمل ثلاثة أشهر، ولا تحل بدونها.
وقال في كتاب محمد: إن كانت ممن يخشى منها الحمل فثلاثة أشهر، وإن كانت صغيرة، أو يائسة، أو لم يدخل بها، فشهران وخمس ليال على النصف. قال أبو الحسن اللخمي: وهو أحسنها.
فرعان: الأول: ومن طلق إحدى امرأتيه، فمات قبل البيان، فعلى إحداهما عدة الطلاق، وعلى الأخرى عدة الوفاة، فعلى كل واحدة منهما أقصى الأجلين إن كن من ذوات الإقراء للاحتياط، وإن كن حوامل فيكفي الوضع، أو من ذوات الأشهر فتكفي أربعة أشهر وعشر.
الفرع الثاني:
من مات عن نسوة منهن من نكاحها فاسد، فمن تحقق صحة نكاحها منهن، فحكمها ظاهر، ومن تحقق فساد نكاحها، فعليها ثلاثة قروء إن كان دخل بها، ومن أشكل أمرها فعليها أقصى الأجلين.

.الفصل الثاني: في المفقود زوجها:

ومن أندرس خبر زوجها قبل دخولها بها أو بعده. فإن ترك النفقة فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم، فيضرب لها أجل أربع سنين للحرة، وسنتين للعبد، ومن يوم يعجز عن معرفة خبره بعد البحث عنه، ثم تعتد عدة الوفاة، وعليها فيها الإحداد على ما يأتي بيانه.
وقال ابن الماجشون: لا تحد امرأة المفقود لأنه ليس بموت، وإنما هو طلاق.
واستصحه القاضي أبو بكر. ثم تنكح، فإن جاء في الأجل أو في العدة أو بعدها، وقيل أن تتزوج فهي امرأته، وإن جاء بعد أن تزوجت، فإن كانت الثاني دخل بها، فهي له دون الأول.
ثم إن كان الأول لم يدخل بها، ففي رجوعه عليها بنصف الصداق روايتان، وإن جاء قبل دخول الثاني فقال مالك مرة. عقد الثاني عليها فوت، وبه قال المغيرة وغيره من الأصحاب. ثم رجع وقال: الأول أحق بها ما لم يدخل بها الثاني. وبه قال ابن القاسم وأشهب.
قال الأصحاب: فيتبين بالدخول وقوع الطلاق على المفقود.
فرع:
لو طلقها الثاني بعد دخوله بها، وقد كان الأول طلقها تطليقتين قبل أن يتزوجها الثاني لحلت للأول، وهو قول مالك في المبسوط.
وقاله أشهب في السليمانية.
وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا تحل بذلك.
قال أبو الحسن اللخمي: والأول أحسن، لأن دخول الثاني يبين أنه قد وقع على الأول طلقة من وقت ابتدأت العدة، ولو كانت الطلقة إنما تقع بدخول الثاني: لكان نكاح الثاني نكاحاً فاسداً، ويفرق بينها وبينه.
فروع: الأول: إذا كان له نساء، فرفعت إحداهن أمره إلى الحاكم وأبى سائرهن، فضرب للقائمة الأجل بعد البحث، فقال يحيى بن عمر: بلغني أن ابن القاسم سئل عنها: فتفكر ثم قال: أرى ضرب الأجل للمرأة الواحدة ضرباً لجميعهن، فإذا انقضى الأجل، تزوجن إن أحببن.
الفرع الثاني:
في النفقة. وتستمر النفقة عليها من ماله في مدة الأجل دون العدة. وأما ولده فتستمر النفقة عليهم حتى يعمر أو يثبت موته.
الفرع الثالث:
وهو مرتب. إذا أنفق عليها في الأجل، ثم جاء أنه كان مات قبل ذلك، ردت ما أخذت من النفقة بعد وفاته، وذلك الولد يردون ما أنفق عليهم بعد وفاته أيضاً.
والأسير بخلاف المفقود، لا يضرب لامرأته أجل، بل تبقى إلى أن ينكشف خبره.
ولو تنصر الأسير، ولم يعلم أذلك منه طوع أو كره، كما لو علم أنه طوع، فيفرق بينه وبين زوجته، ويوقف ماله، فإن مات على ذلك كان للمسلمين، وإن أسلم كان له. وإن ظهر أنه تنصر مكرهاً بقيت في عصمته، وينفق عليها من ماله.
والمفقود في المعترك بين المسلمين ليس فيه أجل، بل تعتد زوجته من يوم التقاء الصفين. وروي أيضاً: تتربص زوجته سنة، ثم تعتد. وروي أن العدة داخلة في السنة.
وقال في العتبية: فيما قرب من الديار يتلوم الإمام لزوجته باجتهاده بعد انصراف من انصراف، وانهزام من انهزام، ثم تعتد وتتزوج. وفيما بعد مثل إفريقية ونحوها، ينتظر سنة.
وقال في كتاب محمد: فيما بعد هو على حكم المفقود، تتربص أربع سنين.
وقال أصبغ: يضرب لامرأته بقدر ما يستقصى أمره، ويستبرأ خبره، وليس لذلك حد معلوم.
التفريع: إن قلنا بالقول الأول: قسم ماله حينئذ، وإن قلنا: تتربص أربع سنين، أوقفنا ماله إلى التعمير كالأول. واختلف القائلون بأن زوجته تتربص سنة، هل يقسم ماله حينئذ، أو يوقف إلى التعمير؟ على قولين.
وأما من فقد في المعترك بين المسلمين والكفار، فروي أنه كالأسير، وروي أن زوجته تتربص سنة من يوم ينظر السلطان في أمره، ثم تعتد. وفي كتاب محمد: إنه كفقيد أرض الإسلام، ينتظر أربع سنين.

.الفصل الثالث: في الإحداد:

ويجب الإحداد في عدة الوفاة دون عدة الطلاق. وقد تقدم الخلاف في إحداد زوجة المفقود.
ويجب على الحرائر والإماء، وعلى الكتابية تحت المسلم.
وقال ابن نافع: ليس على الكتابية إحداد.
قال أبو القاسم بن محرز: والإحداد هو ترك الزينة المعتادة في الخلوات للأزواج، فتترك التزين بلبس المصبوغ للزينة دون الأسود والأدكن والكحلي. وصبغه قبل النسخ كصبغه بعده. ويجوز لها لبس الأبيض، ولو من الإبريسم. ولا تلبس رقيق عصب اليمين، ووسع في غليظه. ولا تلبس خزا. قال في المختصر: إلا الأبيض منه، أو الأسود.
قال ابن القاسم: ولا ما صبغ من ثياب أو جباب، حرير أو كتان أو صوف، وإن كان أخضر أو أدكن، إلا أن لا تجد غيره، وتكون بموضع لا تجد استبدالاً، فإن وجدت بدلاًَ ببيع فليس ذلك لها.
ولا يجوز لها التحلي، فلا تلبس قرطاً ولا خاتماً ولا خلخاًلا ولا سواراً، ولا خاتم حديد، ولا خرص ذهب أو فضة.
ولا تمس طيباً، ولا تدهن بزنبق أو بنفسج أو خيري، وتدهن بالشيرج والزيت، ولا تمتشط بدهن صريب، ولا حناء، ولا كتم، ولا ما يختمر، وتمتشط بالسدر وشبهه مما لا يختصر في رأسها.
وقال أشهب: ولا تدخل الحمام، ولا تطلي جسدها، ولها أن تستحد ولا تكتحل إلا لسبب يحوج إليه ليلاً، وتمسحه نهاراً.
وقال ابن عبد الحكم: لا تكتحل، وإن كان من ضرورة. وعليها ملازمة المسكن، فإن تركت جميع ذلك عصت، وانقضت العدة.

.الباب الثاني: في السكنى:

والنظر في أمور:

.(النظر) الأول: فيمن تستحق السكنى:

وتستحقه المعتدة عن طلاق، بائنة كانت أو رجعية، حاملاً أو حائلاً. وأما المتوفى عنها زوجها ففيها تفصيل يأتي في الباب إن شاء الله تعالى. وتستحق أيضاً المعتدة عن الفسخ، فحيث يجب كمال الصداق يجب السكنى، والصغيرة في ذلك البيرة.
وإنما يجب ملازمة مسكن النكاح، فلو طلقت بعد الانتقال لازمت المنتقل إليه، إلا أن يقصد بالانتقال إخراجها من مسكنها، حتى لا تعتد فيه، فقد قال في كتاب محمد فيمن اكترى منزلاً وانتقل إليه، فلما سكنه طلق زوجته، قال: ترجع إلى المسكن الذي كانت فيه.
قال أبو الحسن اللخمي: محمله على التهمة.
ولو أذن في سفره، وطلق قبل مفارقة عمران البلد، لم يكن لها الانصراف. ولو خرج بها إلى الحج فمات، فإنها ترجع من مثل اليومين والثلاثة ما لم تبعد أو تحرم فتنفذ.
قال محمد: بخلاف غير الحج، فإنها ترجع فيه، وإن أبعدت إذا وجدت ثقة، وكان يبقى لها بعد الرجوع بقية.
هذا إن كان السفر لغير الانتقال، فإن كان له، فتعتد في أقربهما، أعني ما فارقته وما أمته. وإن شاءت مكان الموت إذا أمكنها، فذلك لها، لأنها لما فارقت قرارها لم تتعوض عنه بعد، فأي مكان شاءت جعلته قرارها، إلا أنها تتوخى القريب منها.
وتلتزم البدوية مسكنها، ولا تفارق، إلا إذا رحل أهلها، ولم يمكنها المقام بعدهم، لما يلحقها من الضرر بمفارقتهم، ولا تنتقل مع أهل زوجها إذا أقام أهلها.
وتجوز مفارقة المسكن ليلاً بعذر ظاهر، كعورة منزل أو غيره، مما لا يمكنها المقام معه. ولها أن تخرج في حوائجها نهاراً، أو طرفي الليل.

.النظر الثاني: فيما يجب على الزوج:

وعليه أن لا يخرجها من ملكه، وكذلك في عدة الوفاة هي أيضاً أحق من الورثة والغرماء بمنافع مسكنها إذا كانت مملوكة له، ويستوي في ذلك اختصاصها بالملك إذا أدى كراءها مع تبعيتها لملك الرقبة، فإن لم يكن أدى الكراء ففي الكتاب: لا سكنى لها في مال الميت، وإن كان موسراً.
وروى محمد عن مالك: الكراء لازم للميت في ماله، ولا تكون الزوجة أحق بذلك، وتحاص الورثة في السكنى، وللورثة إخراجها، إلا أن تحب أن تسكن في حصتها وتؤدي كراء حصتهم. وإن نقد بعض الكراء سكتت في حصة ما نقد بأسره،
وكان الحكم في ما لم ينقد كما ذكرنا. وإن شاء الورثة أن يكروا منها حيث يكون لها إخراجها، لزمها المقام، وكذلك صاحب الدار.
قال في الكتاب: إذا كانت في دار بكراء، ولم يكن نقد الكراء، ورضي أهل الدار بالكراء، فليس لها أن تخرج من الدار إلا أن يكروها كراء لا يشبه كراء ذلك المسكن، فلها أن تخرج إذا أخرجها أهل ذلك المسكن.
وروي أنه إن أكراهاً سنة بعينها، فهي أحق بها وإن لم ينقذ، وإنما يشترط النقد إذا كان قد أكرى كل سنة بكذا، ولم يسم مدة معينة. وهذه الرواية هي اختيار أبي محمد عبد الحق.
وذكر عن بعض القرويين أنه حمل ما في الكتاب عليها، ورأى أن القياس التسوية بين ما نقد كراؤه، وما لم ينقد، إذا كان العقد في الإجارة على مدة معينة واستشهد بقوله في الكتاب: إلا أن يكروها كراء لا يشبه كراء ذلك المسكن.
ولا يجوز للزوج بيع الدار، إلا أن تكون عدتها بالأشهر، فيشترط نهايتها، لأن آخر القرء والحمل مجهول. وإن توقع طريان حيض ذات الأشهر، ففي جواز البيع إلى البراءة خلاف.
والحكم في بيع دار المتوفى، واشتراط السكنى لزوجته الجواز، إذ عدتها بالأشهر.
وقال محمد بن عبد الحكم: البيع فاسد لأنها قد ترتاب، فتطول العدة.
فرع:
فإن وقع البيع فيها بهذا الشرط فارتابت، فقال مالك في كتاب محمد: هي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة، وأحب إلينا أن يكون للمشتري الخيار في فسخ البيع وإمضائه، ولا يرجع بشيء لأنه دخل على العدة المعتادة، ولو وقع البيع فيه بشرط زوال الريبة كان فاسداً.
وقال سحنون: لا حجة للمشتري وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين، لأنه دخل على العدة، والعدة قد تكون خمس سنين. ونحو هذا رواه أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية.
قال القاضي أبو الوليد: هذا عندي على قول من يرى للمبتاع الخيار. وأما على قول من يلزمه ذلك، فلا تأثير للشرط.
وإن كان المنزل مستعاراً أو مستأجراً، فعلى الزوج الإبدال عند رجوع المعبر في الوقت الجائز له، وانتهاء مدة الإجارة. وإن كان حبسا عليه حياته، كان لها السكنى في عدتها وإن تأخرت حتى تنقضي الريبة ولو إلى خمس سنين، لأن العدة من أسباب أمر الميت.
ولو كانت سنين معلومة أسكنه إياها، فانقضت قبل تمام عدتها، لكان له إخراجها بخلاف الصورة الأولى.
وأما امرأة الأمير المعتدة، فلا يخرجها الأمير القادم حتى تنقضي عدتها. وكذلك من حبست عليه دار، ثم على آخر بعده كإمام مسجد ونحوه.
وقال أبو محمد عبد الحق: رأيت في وثائق ابن العطار: وليست زوجة إمام المسجد الساكنة في دار المسجد بمنزلة المنزل المحبس على المتوفى حياته، لأن الأجرة هي كراء، فهي تخرج من الدار بعد وفاة زوجها إن أحب أهل المسجد.

.القسم الثالث من الكتاب، في الاستبراء:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في قدر الاستبراء وحكمه:

أما قدره، فهو قرء واحد. وللمستبرآت ثلاث حالات:
إحداها: أن تكون من ذوات الأقراء، فاستبراؤها بقرء واحد، وهو الحيض على المشهور من المذهب، فإن يبعث الأمة في آخر أيام حيضها لم يكن ما بقي من حيضتها استبراء لها من غير خلاف، وإن يبعث وهي في أول حيضتها فالمشهور من المذهب أن ذلك لا يكون استبراء لها.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في زاهية قولين: أحدهما ما قدمناه. والآخر له أنه لا يجزئ. ثم قال: وبه أقول.
قال الإمام أبو عبد الله: وهذه إشارة إلى أن الاستبراء إنما يعتد فيه بالطهر، فلا بد أن يحصل فيها شيء من زمن الطهر عند المشتري وهي في ملكه.
وإذا فرعنا على المشهور، فقال محمد: المعتبر في ذلك أن لا يكون الذاهب من زمن الحيض مقدار حيضة يصح بها الاستبراء.
ثم حيث قلنا: يحصل الاستبراء بالحيضة الواحدة، فذلك إن كانت جارية على الأمر المعتاد في زمنها وصفتها.
واختلفت رواية عيسى ويحيى عن ابن القاسم إن كانت تحيض من ستة أشهر إلى مثلها، هل تكفيها ثلاثة أشهر، أم لا يبرئها إلا الحيضة؟
فإن شذت عن غالب عادة النسوان في زمنها بالقصر، فقد ذهب عبد الملك بن الماجشون وسحنون إلى أنها لا تحتسب في العدة والاستبراء، بأقل من خمسة أيام.
وذهب محمد بن مسلمة إلى أن أقل ما تحتسب به ثلاثة أيام.
قال الإمام أبو عبد الله: والمشهور عن مالك رحمه الله نفي التحديد وإسناد الحكم في هذا إلى ما يقول النساء أنه يكون حيضة فيهن.
قال: وفي الكتاب: إذا حاضت يوماً أو بعض يوم، أن النساء يسألن عن ذلك، هل يكون هذا عندهن حيضة أم لا؟.
وفي كتاب محمد: أنه سئل مالك عمن حاضت يوماً أو يومين؟ فقال يسأل النساء عن هذا.
ولا تكون حيضة بيومين، وقد أشار ابن القاسم في كتاب محمد إلى أن هذا الاختلاف في الاعتداد بهذا الأمر القريب إنما يتصور فيما لم تكن عادتها قبل ذلك أكثر مما حدث الآن في هذه الحيضة القليلة، لا فيمن لها عادة قبل ذلك.
وإن شذت الحيضة في زمنها بالطول، كالمستحاضة، إن قلت عدتها إلى الأشهر، فتعتد بثلاثة أشهر، إلا أن تشك فترفع بها إلى تسعة أشهر قال: إلى هذه والتي رفعتها حيضتها سواء. وتدخل في ذلك المريضة والمرضع تتأخر حيضتها.
واختلفت الرواية إذا ميزت المستحاضة حيضتها المعتادة في اعتدادها بها، وإن لم تختلف الرواية أنها تمنع من الصلاة والصوم. فروى ابن القاسم أنها تعتد بها، وتنتقل عن الأشهر. وروى ابن وهب، أنها لا تعتد بها، ولا تنتقل عن حكم استبرائها بالأشهر الثلاثة.
وقال في كتاب محمد: تستبرأ بتسعة أشهر. قال أبو الحسن اللخمي: والأول أصوب. قال: فإن استبرأت بحسن بطن، لم تبرأ بثلاثة أشهر قولاً واحداً، وانتظرت أمد الوضع، وهو تسعة أشهر، إلا أن تذهب الريبة قبل ذلك، أو يتحقق الحمل فتنتظر الوضع.
الحالة الثانية للمستبرأة: أن تكون من ذوات الأشهر، فتعتد بثلاثة أشهر، وذلك فيمن تحيض لصغر أو لكبر على ما يأتي تفصيله.
الحالة الثالثة للمستبرأة: أن تكون حاملاً، فاستبراؤها بوضع الحمل.
فروع متتالية: إذا باع أمة وهي في عدة من طلاق فاستبرأت، فإذا مضت سنة من يوم الطلاق وليوم الشراء ثلاثة أشهر حلت. ومن ابتاع ذات زوج، فطلقت قبل البناء، فلا بد من الحيضة.
وقال سحنون: يطأها مكانه.
ومن ابتاع زوجته قبل البناء أو بعده، لم يستبرئها. وإن ابتاعها بعد البناء ثم باعها بعد أن وطئ فلتستبرأ للمبتاع بحيضة، لأن وطأه فسخ لعدتها منه.
ولو باعها قبل الوطء، ها هنا لم تحل إلا بحيضتين، لأنها عدة فسخ للنكاح.
وكذلك لو طلقها بعد البناء واحدة، ثم ابتاعها في العدة، ثم باعها ولم يطأها فحيضتان من يوم طلاقه تحلها.
وإن باعها بعد حيضة لم تحل إلا بحيضة ثانية.
ولو باعها بعد انقضاء العدة، فاستبراؤها حيضة، كان الطلاق واحدة أو ثلاثاً.
وقال غير ابن القاسم في كتاب ابن عبدوس، في التي باعها زوجها بعد أن اشتراها وقد كان بنى بها ولم يطأها بعد الشراء: إنها لا تحل إلا بحيضتين.
وإذا اشترى مكاتب زوجته بعد البناء، ثم لم يطأها حتى مات أو عجز فعلى السيد فيها حيضتان من يوم الشراء.
قال: وكان مالك يقول: حيضة، ثم رجع إلى هذا، وهذا أحب إلي، لأنها معتدة كمن باع معتدة من طلاق.
قال الشيخ أبو محمد: يريد أنها قولة لمالك في كل من اشترى زوجته من حر أو عبد، ثم باعها أو أعتقلها، ثم رجع عنه إلى حيضتين، ذكر ذلك في المختصر الكبير، وكتاب محمد. ولو عجز بعد ما مضى لها حيضتان، أو مات، لم ينبغ للسيد أن يطأها حتى تحيض حيضة، وإن كان المكاتب قد قال: لم أطأها بعدهما.
وإن هي خرجت حرة، ولم يكن المكاتب وطئها بعد الشراء، نكحت مكانها، لأنها خرجت من ملك إلى حرية، يريد عتقت بعد حيضتين.
وأما حكم الاستبراء، فهو منع جميع وجوه الاستمتاع.
وقال ابن حبيب: لا يحرم منها إن كانت حاملاً من زنى، أو كانت مسبية إلا الوطء خاصة.

.الفصل الثاني: في أسباب الاستبراء:

والمتفق عليه منها حصول الملك أو زواله. واختلف في الاستبراء بسبب سوء الظن، وسيأتي بيانه.
الأول: حصول الملك على أمة لا يعلم مالكها براءة رحمها ولا يظنها، فيجب فيها الاستبراء.
وجميع أسباب الملك في ذلك سواء، الإرث والهبة والصدقة والوصية والبيه والفسخ والإقالة والغنيمة، وغير ذلك. ولا يسقطه كون الانتقال إليه من امرأة أو صبي. وقيل: يسقط فيهما، ويجب في البكر.
ورواه أبو الحسن اللخمي مستحباً على جهة الاحتياط. ويجب في الصغيرة إذا كانت ممن قاربت سن الحمل، كبنت ثلاث عشرة وأربع عشرة.
وفي إيجاب الاستبراء إذا كانت ممن تطبق الوطء، ويحمل مثلها، كبنت تسع وعشر روايتان: أثبته في رواية ابن القاسم، ونفاه في رواية ابن عبد الحكم.
وإن كانت ممن لا يطبق الوطء، فلا استبراء فيها.
ويجب الاستبراء فيمن جاوزت سن المحيض ولم تبلغ سن اليائسة، مثل ابن الأربعين والخمسين سنة.
فأما التي أسنت وقعدت عن الحيض ويئست منه، فهل يجب فيها الاستبراء، أو لا يجب؟ روايتان لابن القاسم وابن عبد الحكم.
ولا يجزئ الاستبراء قبل البيع، إلا في حالات، منها:
أن تكون تحت يده للاستبراء أو بالوديعة، فتحيض عنده، ثم يشتريها حينئذ أو بعد أيام.
وهي لا تخرج، ولا يدخل عليها سيدها.
ومنها أن يشتريها ممن هو ساكن معه من زوجته أو ولد له صغير في عياله وقد حاضت، فابن القاسم يقول: إن كانت لا تخرج أجزأه ذلك.
وقال أشهب: إن كانت معه في دار وهو الذاب عنها والناظر في أمرها أجزأه كانت تخرج أو لا تخرج.
ومنها إذا كان سيدها غائباً، فحين قدم اشتراها قبل أن تخرج، أو خرجت وهي حائض، فاشتراها منها قبل أن تطهر.
ومنها، الشريك، يشتري نصيب شريكه من الجارية، وهي تحت يد المشتري منهما، وقد حاضت في يده.
ولو باع الأمة بشرط الخيار، فعادت إليه بالفسخ، فلا يجب الاستبراء عليه لأن ملكه باق عليها، وضمانها منه، نعم، يستحب إن غاب عليها المشتري وكان الخيار له.
وقال القاضي أبو الفرج: القياس وجوب الاستبراء إذا غاب عليها المشتري. واستحسنه أبو الحسن اللخمي.
والفروع: في هذا الفصل كثيرة وتتبعها يطول، والإيجاز أولى، وقد عقد الإمام أبو عبد الله عقداً جامعاً لمواقع لاستبراء وفاقاً وخلافاً، فلنحل عليه وهذا نصه:
والقول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل، فلا يلزم فيها الاستبراء. وكل من غلب على الظن كونها حاملاً، أو شك في حملها، وتردد فيه، فالاستبراء لازم فيها. وكل من غلب على الظن براءة رحمها، لكنه مع الظن الغالب يجوز حصوله، فإن المذهب على قولين في ثبوت الاستبراء وسقوطه.
ثم خرج على ذلك الفروع المختلف فيها، كاستبراء الصغيرة التي تطيق الوطء، أو اليائسة، قال: لأنه يمكن فيها على الندور، أو لحماية الذريعة، لئلا يدعى في موضع الإمكان أن لا إمكان.
وكاستبراء الأمة خوفاً أن تكون زنت وهو المعبر عنه بالاستبراء لسوء الظن. وفيه قولان.
والنفي لأشهب. وكاستبراء الوخش لأن الغالب عدم وطء السادات لهن، وإن كان يقع في النادر. وكاستبراء من باعها مجبوب، أو امرأة أو ذو محرم، فالمشهور إثباته. وحكى القاضي أبو الفرج رواية سقوطه، لأنه يرجع إلى سوء الظن. وكاستبراء المكاتبة إذا كانت تتصرف، ثم عجزت، فرجعت إلى سيدها، فابن القاسم يثبت الاستبراء، وأشهب ينفيه، وهو مبني على سوء الظن.
السبب الثاني: زوال الملك.
والأمة الموطوءة مستولدة كانت أو غير مستولدة، فهي في حكم المستفرشة فإذا عتقت، إما بالإعتاق، وإما بموت السيد، فعليها التربص بحيضة واحدة.
ومن أراد تزويج الجارية الموطوءة، فعليه الاستبراء بحيضة قبل التزويج، فإن عقد قبل الاستبراء وقد وطئها كان فاسداً، وفسخ قبل الدخول وبعده، لوقوع العقد في حالة يحرم الاستمتاع بها لحق الغير.
ولو استبرأها ثم أعتقها حلت مكانها للزوج من غير تربص. ولو استبرأها ثم مات عنها، لم ينتفع بذلك الاستبراء من تصير إليه، ولا بد من حيضة.
وأم الولد إذا أعتقها أو مات عنها، فلا بد من استبرائها بحيضة، كان السيد قد استبرأها، أو لم يكن.
وإذا زوج السيد أمته قبل قوله في براءة رحمها، وجاز للزوج الإقدام على وطئها. وينزل قوله فيها في حق الزوج منزلة قول الحرة في نفسها، ويؤتمن فيها كما تؤتمن الحرة في نفسها.
لكن لو اشترى أمة فلم يستبرئها، وأراد تزويجها، فهل يجوز للزوج الاعتماد على قوله: إنه لم يطأها، وعلى قول البائع: إنها برئة الرحم، كما كان يصدق قبل عقد البيع أم لا؟ في ذلك قولان.
والمستولدة المزوجة إذا مات سيدها وزوجها جميعاً، فإن مات السيد أولاً فعليها لوفاة الزوج عدة الحرائر، وإن مات الزوج أولاً فعليها عدة الإماء، وبعد ذلك عليها التربص للسيد بحيضة. فإن ماتا وجهل الأول منهما، فعليها أقصى الأجلين أربعة أشهر وعشر، ولا حيضة عليها، إلا أن يكون بين موتيهما أكثر من شهرين وخمس ليال، ولا يعلم أيهما مات قبل صاحبه، فيكون عليها أربعة أشهر وعشر وحيضة.
بسم الله الرحمن الرحيم